يوم المرأة - عظة الأحد


يوم المرأة
بيت ساحور وبيت لحم ١١-٣-٢٠١٨
صادف يوم الثامن من آذار يوم المرأة العالمي، وقد ارتبط هذا اليوم بالمرأة منذ بدايات القرن العشرين، حين نشطت الحركات النسائية عندها وخاصة فيما يتعلق بحقوق العاملات في المصانع. البدايات كانت في الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا. ومع نمو الحركة أقرت الأمم المتحدة هذا اليوم بشكل رسمي في العام ١٩٧٥.
هذا اليوم له معانٍ متباينة بحسب المكان الذي نعيش، لكنّ التركيز يجب أن يكون على أمرين: المساواة والاحتفال – من ناحية يهدف هذا اليوم إلى المناداة بالمساواة بين الجنسين، ومن ناحية يدعو هذا اليوم إلى الاحتفال بمساهمة المرأة في الحياة والمجتمع.
لذا ارتأيت في هذا الصباح أن نتكلم عن المرأة في الكتاب المقدس ودورها ومكانتها في المجتمع والكنيسة. طبعًا لا يمكننا في هذا الصباح أن نتكلم عن المرأة والكتاب المقدس بإسهاب، ولكنني أريد التركيز على ثلاثة نصوص اعتبرها أساسية في فهمنا لموضوع المرأة في الكتاب المقدس.
النصّ الأول هو من الخلق: في سفر التكوين نقرأ: "فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ" (٢٧:١-٢٨)
يعلمنا هذا النصّ الكثير: أولاً المساواة في الخلق بين الرجل والمرأة؛ كلانا خُلق على صورة الله (وليس الرجل فقط)، فهناك مساواة في القيمة والكرامة. وثانيًا: هناك مساواة في المسؤولية. فأعطى الله تكليفًا واحدًا للرجل والمرأة، فالإنسان – رجل وامرأة – هو وكيل الله على الأرض. مساواة في القيمة والكرامة والمسؤولية.
النصّ الثاني من رسالة بولس إلى أهل غلاطية: "لأَنَّكُمْ جَمِيعًا أَبْنَاءُ اللهِ بِالإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ. لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ: لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ." (غلاطية ٢٦:٣-٢٧)
هذا الآيات تتكلم عن المساواة في الفداء! في المسيح، نحن متساوون. وهذا الأمر يتثبّت في المعموديّة. فكل الذين اعتمدوا للمسيح، لبسوا المسيح – ولا تمييز في جسد المسيح. هذا الآية أساسية! لا يجب أن يكون هناك أيّ تمييز في جسد المسيح.
النصّ الثالث من سفر الأمثال: "اِمْرَأَةٌ فَاضِلَةٌ مَنْ يَجِدُهَا؟ لأَنَّ ثَمَنَهَا يَفُوقُ اللآلِئَ... تَطْلُبُ صُوفًا وَكَتَّانًا وَتَشْتَغِلُ بِيَدَيْنِ رَاضِيَتَيْنِ... تَتَأَمَّلُ حَقْلاً فَتَأْخُذُهُ، وَبِثَمَرِ يَدَيْهَا تَغْرِسُ كَرْمًا. تُنَطِّقُ حَقَوَيْهَا بِالْقُوَّةِ وَتُشَدِّدُ ذِرَاعَيْهَا. تَشْعُرُ أَنَّ تِجَارَتَهَا جَيِّدَةٌ. سِرَاجُهَا لاَ يَنْطَفِئُ فِي اللَّيْلِ. تَمُدُّ يَدَيْهَا إِلَى الْمِغْزَلِ، وَتُمْسِكُ كَفَّاهَا بِالْفَلْكَةِ. تَبْسُطُ كَفَّيْهَا لِلْفَقِيرِ، وَتَمُدُّ يَدَيْهَا إِلَى الْمِسْكِينِ." (أمثال ١٠:٣١-٢٠)
عندما تكلّم الكتاب المقدس عن المرأة الفاضلة، تكلّم عن المزارعة وصانعة الملابس والتاجرة. وتحدث أيضاً عن المرأة التي تعتني بالفقراء والمساكين. أي أن المرأة الفاضلة بحسب الكتاب المقدس هي ليست فقط الأم التي تعتني ببيتها، بل هي أكثر من ذلك بكثير. هي المرأة العاملة والمفكرة والمدبرة لنواحٍ متعددة تبدأ بالبيت وتمتد إلى قضايا المجتمع.
تثبّت هذه الآيات من التكوين وغلاطية والأمثال وغيرها مبدأ المساواة في الكتاب المقدس بين الرجل والمرأة من الناحية النظرية الكتابية. لذا نقول للنساء اليوم: لا ترضنّ بأقل من هو حقكنّ في الخلق والمسؤولية والفداء.
هل هذه المساواة حقيقية في الكنيسة اليوم؟ (قبل التكلم عن المجتمع) تاريخ المرأة في الكنيسة عبر العصور مليءٌ بالتناقضات. فهناك الكثير من الايجابيات، وقد حرّرت الكنيسة المرأة في الكثير من القضايا. ولكن من ناحية كان هناك الكثير من الظلم. هناك من حملّها ذنب الخطيئة، وهناك من علّم أن الشيطان يأتي بالشهوة من خلالها.
كنيستنا اللوثرية عملت الكثير من أجل تحرير المرأة في فلسطين، خاصة في مجال التعليم، وقد كُتب وقيل الكثير عن هذا الأمر. ولكن من يراقب حال كنائسنا اليوم، سيلاحظ أن دور المرأة في الغالب وبشكل عام ما زال محصور جداً. يقتصر دور المرأة في العديد من الأحيان على تعليم الأطفال أو أمور الضيافة. المرأة تعلّم في اجتماع النساء فقط. وكثيراً ما يكون دورها حتى في اجتماع النساء متعلقاً بأمور المرأة والتربية والبيت. هل نقبل أن تقود المرأة درس الكتاب؟ هل نشجّع المرأة على دراسة اللاهوت والكتاب المقدس ونيل شهادات عليا فتكتب وتساهم في علوم اللاهوت والكتاب المقدس؟ هل ندعو المرأة لتحاضر لنا في علوم اللاهوت والتأويل وتفسير الكتاب؟
نلاحظ أيضاً أن معظم اللجان والمجالس الكنسية المتعددة تتشكل في الغالب من الرجال. ومعظم المؤسسات يقودها الرجال. هنا أيضاً يمكن للمرأة المشاركة والمساهمة بمواهبها وقدراتها المتعددة، من إدارة عامة وإدارة موارد وتخطيط وحتى بناء الجسور وحل النزاعات. لنذهب إلى سفر الأمثال من جديد، فهناك يقول عن المرأة الفاضلة: "تَفْتَحُ فَمَهَا بِالْحِكْمَةِ، وَفِي لِسَانِهَا سُنَّةُ الْمَعْرُوفِ". حان الوقت لتكون المرأة جزءٌ من اللجان والمجالس الكنسية المتعددة، فتساهم بحكمتها وبصيرتها في وضع الرؤية والخطط، ولا تكون فقط المتلقية للقرارات والرؤى.
في الأعوام الأخيرة، أخذت كنيستنا قرارين جريئين نحو العدالة الجندرية، الأول يتعلّق برسامة المرأة قسيسة في الكنيسة، والثاني يتعلق بقوانين الأحوال المدنية الجديد في دستور المحكمة الكنسية والتي ساوت بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات (في قضايا الميراث بشكل خاص). هذا يدّل على أننا في الطريق السليم، ولكن هناك حاجة للمزيد.
ويجب أن تنادي الكنيسة بالعدالة لا فقط في الكنيسة بل في المجتمع. فلا يخفى على أحدٍ اليوم الظلم الذي تتعرض له المرأة في مجتمعنا. من ناحية، هناك الشهيدة والجريحة والأسيرة. وهناك أيضًا الأجور المتدنية وسوء المعاملة. الاحصائيات حول المرأة في مكان العمل في فلسطين مكئبة! الغالبية الساحقة من النساء لهن مراتب متدنية في السلم الهرمي وفي المعاشات.
ولنا أن نتكلم عن قضايا الوصاية والميراث والعنف الأسري وقتل الشرف... باختصار، هناك الكثير لنعمله لتغيير هذا الواقع، ولنا دور.
لذا، ربما أنه من الأنسب في عيد المرأة لا أن نقول للمرأة: كُل عام وانت بخير... بل أن نقرّ أولاً بأننا بعيدون عن المثاليات التي ننادي بها. وأن نتعهد ثانيًا أن نعمل معها من أجل المساواة في الكنيسة والمجتمع، انطلاقًا من مبدأ المساواة في الخلق والكرامة والمسؤولية والفداء. نقول لنسائنا: شكرًا لكنّ لأنكنّ تظهرن لنا بشكل يومي معنى التضحية والمحبة – ونعم سنلتزم معًا في هذه المسيرة نحو المساواة التي ضمنها لكنّ الله. فلا ترضينّ بأقل مما هو حقكنّ في الخلق والفداء. آمين.

Comments