عمانوئيل؟ ... الله معنا؟

وَلكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً: هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا وَتَدْعُو اسْمَهُ "عِمَّانُوئِيلَ"

عمانوئيل. الله معنا. أحقًا الله معنا؟ هل هذا حقيقيّ؟ وإن كان معنا، أين هو؟ أنقدر أن نلمسه؟ أن نشعر به؟ هل حقًا الله معنا؟ وإن كان فعلاً معنا، لم يقوى عدوّنا علينا؟ لم لا يحمي أبناءه وقت الشرّ مثلاً؟

ما معنى هذه العبارة – الله معنا؟ ما معناها اليوم؟ فنحن نشعر أنه بعيدٌ عنا – لا يشعر بنا.

فللبعض – عمانوئيل – هي عبارة عن مجرّد كلمة، أو شعارات دينية. في فلسطين أو في مصر أو في العراق، يبدو أن الله بعيد لا يسأل أو يهتم. والشرّ له الكلمة الأخيرة. عمانوئيل؟

ما حصل في مصر هذا الأسبوع، من قتل وترهيب لم ينجو منه الأطفال، ذكرنا من جديد بواقع الشرّ في عالمنا. عالم وحوش. عالم كله قسوة. عمانوئيل؟

في زمن الميلاد في فلسطين هذا العام تذكرنا من جديد قسوة العالم علينا. إعلان رئيس نتعجرف ضرب معنويات الناس، وتحوّل العيد من فرحة إلى غمّ، وتحوّل التركيز من المسيح والخلاص والسلام إلى السياسة، وسيطرت القدس على خطاباتنا الدينية – وما زلنا مشوّشين: أنحتفل؟ أم لا؟ وكيف نحتفل؟ وفي وسط هذا ضاع العيد ومعناه... عمانوئيل؟ الله معنا؟

وحتى في حياتنا أيضًا نشعر أن الله بعيد عنا – نصلّي ونصرخ طلبًا للعون، أو حتى مجرّد لمسة إلهيّة، ولكن نشعر أن الله بعيدٌ عنا. عمانوئيل؟ الله معنا؟

وللبعض هذه الكلمة – عمانوئيل – كلمة عنصرية إقصائية طائفية. الله معنا تعني إلزامًا الله عليهم! (على أو ضد من ليسوا منا!)

القتلة في مصر قتلوا باسم الله! وربما صرخوا، "الله معنا". وكذا في الباكستان في الهجوم على الكنيسة.
في اليمن يقتتلون باسم الله! واليوم في اليمن عدد المصابين في الكوليرا فاق المليون! وأكثر من 80% من الشعب (28 عدد سكان اليمن) ينقصهم الطعام والوقود والمياه الصالحة للشرب، والمستشفيات. يقتتلون تحت شعار "الله معنا"، بينما يصرخ الشعب والأطفال والضحايا – "أين أنت يا الله؟!"

المستوطنون يحتلون أرضنا تحت شعار "الله معنا" و"عليهم". "والمسيحية "الصهيونية ترقص معهم على ذات النغمة.

فهل حقًا رسالة الميلاد هي: عمانوئيل – الله معنا؟ أين وكيف؟ وهل يمكن لهذه الكلمة العبرية المركّبة أن تعود إلى الحياة اليوم؟ هل يمكننا أن نأخذ منها العزاء والشفاء لأرواحنا؟ أنا أومن أن الإجابة هي نعم! فالله معنا... ولكن إن بحثنا في المكان الصحيح... وبقلب منسحق...

انظروا إلى قصة الميلاد. سنة وراء سنة عندما أتأمل في هذه القصة الرائعة أتعجب من اختيارات الله فيها ومن عناصرها بالتحديد.  لننظر إلى التوقيت أو الظروف: جوّ مشحون سياسيًا، تطرّف دينيّ، حاكمٌ سفّاحٌ يقتل الأطفال، امبراطورية متعجرفة... هذا هو الزمن الذي تجسّد فيه الله. في هذه الظروف يُختبر الله!

ولنتأمل في عناصر القصة: بيت لحم، الصُغرى، وليس بابل أو روما؛ عائلة متواضعة من الناصرة، لا مأوى لها، عائلة مهجرة؛ مغارة (كهف)، رعاة... في هذه الأماكن يُختبر الله!

نعم، عندما يتركنا العالم ويرفضنا... هناك الله. عندما نشعر أنّ لا نصير لنا... هناك الله. مع اللاجئ والمشرّد والمتألم. مع الفقير والمنسحق. هو في مغارة في بيت لحم ومع عائلة مشردّة في مصر... إنه مع الضعيف والمتّضع والمنكسر القلب. الله يبحث عن القلب المتّضع والمنكسر. إنه يبحث عن أنقياء القلب، فهؤلاء من سيعاينون الله.
في خوفنا... الله هناك، يحول الخوف إلى فرح. يعزّي ويطمئن ويقول: أنا الله!

ما أحوجنا اليوم أن نعيد اكتشاف هذا البعد من الإيمان المسيحي... فالله موجود مع البسطاء والودعاء. اسمعوا ما تقوله الكلمة على لسان أشعياء (15:57): 
لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الْعَلِيُّ الْمُرْتَفِعُ، سَاكِنُ الأَبَدِ، الْقُدُّوسُ اسْمُهُ: فِي الْمَوْضِعِ الْمُرْتَفِعِ الْمُقَدَّسِ أَسْكُنُ، وَمَعَ الْمُنْسَحِقِ وَالْمُتَوَاضِعِ الرُّوحِ، لأُحْيِيَ رُوحَ الْمُتَوَاضِعِينَ، وَلأُحْيِيَ قَلْبَ الْمُنْسَحِقِينَ.
عمانوئيل... الله معنا! الله معنا.... عندما نقترب إليه بقلوب منسحقة، وروح متواضعة... والله معنا... إن بحثنا في المكان الصحيح... 

وحتى وإن بدا أن الله بعيدٌ، عندما نرى الشرّ والظلم والقتل... فهو هناك. إنه مع المنسحقين، وهو نفسه سُحق من أجل آثامنا. فإلهنا المعبود هو يسوع المصلوب، الذي قُتل من المتطرفين دينيًا وصلب تضامنًا مع المتألمين ومن أجل فداء البشرية. عمانوئيل – الله معنا – في صليب الجلجثة. إنه ربّ القيامة من الموت. ولأن الله معنا، فمن وسط اليأس والحزن سيتفجّر ينبوع الرجاء والقيامة... ينبوع التعزية. ومن وسط سبينا سوف نسمع صوتًا يصرخ في البرية والقفر: "عزوا، عزوا شعبي يقول الربّ"
وسنرنّم حينها مع العذراء مريم: 
تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ، وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِ...  لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ، وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ. صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ. أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ. أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ.
عمانوئيل... الله معنا... نعم، الله معنا... آمين. 

Comments