تأمل في معنى الصليب

الصليب... قوة الله
فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: سَأُبِيدُ حِكْمَةَ الْحُكَمَاءِ، وَأَرْفُضُ فَهْمَ الْفُهَمَاءِ.  أَيْنَ الْحَكِيمُ؟ أَيْنَ الْكَاتِبُ؟ أَيْنَ مُبَاحِثُ هذَا الدَّهْرِ؟
لأَنَّ الْيَهُودَ يَسْأَلُونَ آيَةً، وَالْيُونَانِيِّينَ يَطْلُبُونَ حِكْمَةً، وَلكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِالْمَسِيحِ مَصْلُوبًا: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً!  وَأَمَّا لِلْمَدْعُوِّينَ: يَهُودًا وَيُونَانِيِّينَ، فَبِالْمَسِيحِ قُوَّةِ اللهِ وَحِكْمَةِ اللهِ.

هل فكرتم يومًا لماذا اتخذت المسيحية الصليب رمزًا وليس أي شيء آخر؟ لماذا نضع الصليب على كنائسنا، وليس أي شيء آخر؟ لماذا نضعه على المذبح وفي البيوت؟


نحتاج أحيانًا أن نحرّر الصليب من الرموز التي أحطناه بها والطريقة النمطية التي نفكر بها عن الصليب. يجب ألا ننسى أن الصليب هو أداة إعدام الرومان قبل ألفي عام. وهو رمز للخزي والعار. هو إعدام مع إهانة. تخيلوا معي أن تجعل جماعة من أداة إعدام وإهانة رمزًا لها!

الصليب هو نهاية غير متوقعة لقصة المسيح... لو كتبناها نحن البشر، لما تخيلنا أبدًا فكرة الصلب. أن يُصلب بطل القصة بهذه القصة؟ أن يُهان بهذه الطريقة؟! لِــم لَــم يصبح ملكًا؟ لِــم لَــم ينتصر على قيصر؟ أو حتى يأخذ مكان قادة اليهود؟

لهذا رأى اليونانيون في المصلوب جهلاً! أين القوة؟ أين الحكمة والفلسفة البشرية - فلسفة الإمبراطورية طبعًا التي تتبع منطق القوة والتوسع والتفوّق الحضاري... أتبشرنا بفلسطيني يهوديّ مات إعدامًا على أنه المخلص والرب؟! قيصر هو مخلص العالم... الحاكم المنتصر... الفاتح القوي... هو الربّ وله الطاعة! أما هذا المصلوب فهو الذي سحقناه... هو لا شيء...

ولقادة اليهود كان الصليب عثرة... أين المسيح المنتظر؟ بقوته وجبروته؟ أين المحرر؟ أتبشرنا بهذا "الكافر" الذي ادعى أنه الله؟ هذا النجار الناصري غير المتعلم الذي كسر الشريعة وكان يجلس مع الزانيات والعملاء؟ الذي لم يحترم سلطة الدين ورجال الدين؟

الإمبراطورية والدين - رأيا في المصلوب جهالة وعثرة. وما زال الصليب لليوم عثرة وجهالة للكثيرين... فما زال عالمنا يحكمه الإمبراطورية والدين... القوة والتديّن... وأحيانًا الاثنان واحد... فنهج الصليب ما زال مرفوضًا اليوم! كما قال القس متري تعليقًا على تفجيرات مصر: "أسبوع الألآم يذكرنا ان يسوع قضى على الصليب بين إرهاب الدولة من جهة وإرهاب المتدينين من جهة اخرى، وما زلنا نعيش في الشرق الأوسط على درب الألآم ذاته".

وأشعر أنه حتى المسيحيون لا يفهمون الصليب أحيانًا، وذلك عندما يسعون للقوة الأرضية والنفوذ والغنى... نريد مسيحًا قويًا... نريد حقّنا بأيدينا... نريد طريق روما وقيصر...

أتساءل اليوم: هل فهمنا الصليب؟ هل قبلنا نهج الصليب. لا يمكن أن نؤمن بالمصلوب أو نعبده دون أن نتبع نهج الصليب! كمسيحيين: نحن جماعة الصليب... بسبب الصليب أصبحنا مسيحيين. والمصلوب محور عبادتنا. والصليب يصف حياتنا وتجربتنا الروحية، فنحن يجب أن نحمل الصليب كلّ يوم إذا أردنا أن نتبع المسيح.

والسؤال اليوم هو: هل نتبع – كأتباع المصلوب - نهج الصليب؟

نهج الصليب هو نهج المحبة... أحد القديسين قال: الصليب هو أكاديمية المحبة! هو أن الله أحبنا حتى المنتهى... حتى الموت... نهج الصليب هو أن نقع أمام الصليب... أن نقول اللهم ارحمنا نحن الخطاة... نحن الضعفاء... نحن من استحقينا العقاب لذنوبنا...

ونهج الصليب هو أيضًا أننا مدعوون أن نحب الآخرين... فنهج الصليب هو التضحية... أن نبذل أنفسنا في سبيل الآخرين... لا في سبيل أنفسنا! أن ندافع ونحامي عن الضعفاء والمظلومين والمساكين...

نهج الصليب هو نهج القوة! القوة الكامنة في جماعة اتحدت حول المصلوب... واختبرت محبة الله... وأحبت الله... وأصرت أن تحبّ القريب والعدو... وأن تسامح المعتدي... وأن تبذل نفسها من أجله... هذه هي القوة حقيقية...

قولوا لي من أقوى: الجبان من فجّر نفسه ليقتل الأبرياء في الكنيسة؟ أم من سامحه من أهل الضحايا؟ من الأقوى: روما، أم الذي أعدمته على الصليب؟ قيصر، أم المصلوب الذي لا حول له ومن صرخ: "إلهي إلهي لماذا تركتني"؟ قيافا والفريسيون، أم من كفّروه واتهموه بأنه كسر الشريعة ؟ من الأقوى؟ من صلب المسيح، أم من صرخ على الصليب "يا أبتاه اغفر لهم"؟

اليوم وبعد ألفي عام... بحملنا الصليب نحن نهزم ونهزأ من الإمبراطورية والدين... أخذنا رمز جبروت روما وما كانت تهين به الآخرين... وهو اليوم رمز قوتنا! بمحبتنا ومسامحتنا... وحملنا الصليب واتباعنا المسيح!

يقول بولس: وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ (كلمة الصليب) قُوَّةُ اللهِ... الصليب هو قوة الله! أفكر في كلمات جبران الشهيرة عن يسوع المصلوب:
"وأنت أيها الجبار المصلوب، الناظر من أعالي الجلجلة إلى مواكب الأجيال، السامع ضجيج الأمم، الفاهم أحلام الأبدية، أنت على خشبة الصليب المضرجة بالدماء أكثر جلالاً ومهابةً من ألف ملك على ألف عرش في ألف مملكة... بل أنت بين النزع والموت أشد هولاً وبطشاً من ألف قائدٍ في ألف جيش في ألف معركة."


وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ (كلمة الصليب) قُوَّةُ اللهِ... آمين. 

Comments