المسيحية الصهيونية واستخدام الكتاب المقدس لأغراض سياسية

المسيحية الصهيونية واستخدام الكتاب المقدس لأغراض سياسية[1]

المسيحية الصهيونية هي ببساطة المسيحية الداعمة للحركة الصهيونية. إنها حركة داخل الكنيسة المسيحية تؤمن من منطلق مسيحي لاهوتي بضرورة دعم دولة إسرائيل دعماً سياسياً ومادياً ومعنوياً. يؤمن المسيحيون الصهاينة أن اليهود اليوم هم امتداد إسرائيل في العهد القديم وما زالوا شعب الله المختار، ووجودهم في الأرض اليوم قصدٌ وترتيب وحقٌّ إلهيّ. كما ويؤمن بعضهم بأن وجود اليهود في الأرض اليوم هو علامةٌ على قرب عودة المسيح.

يقرأ المسيحيون الصهاينة اليوم الوعد لإبراهيم في تكوين 2:12 بأن الله سيبارك مباركيه وسيلعن لاعنيه على أنه المقياس الذي يجب أن يحدّد علاقتهم وعلاقة دولهم بدولة إسرائيل اليوم. بعبارة أخرى، "إن باركنا إسرائيل اليوم، سيباركنا الله، وإن لعنّاها، فإن الله سيلعننا". وطبعاً يفترضون أن فلسطين التاريخية اليوم هي كلّها اليوم بجملتها ملكٌ للشعب اليهودي إذ أن الله أعطاهم إياها ميراثاً أبدياً. إذاً، لليهود "حقٌ إلهي" بامتلاك "أرض كنعان". كلّ من يعارض هذا يحارب إرادة الله لهذه الأرض.

يتعدى الأمر مجرّد التعاطف مع اليهود، أو الوقوف معهم ضد التطرف الإسلامي. نحن نتكلم هنا عن مواقف سياسية متطرفة ودعم مالي (بمئات الملايين من الدولارات) وسياسي ومعنوي لدولة سياسية من منطلق لاهوتي.

استخدام الكتاب المقدس
يستخدم المسيحيون الصهاينة الكتاب المقدس لترويج برنامجهم السياسي. هناك طبعاً استخدام وعود الأرض لشعب إسرائيل في العهد القديم لتبرير احتلال فلسطين. إضافة إلى ذلك، يتلاعب بعض المسيحيون الصهاينة بعواطف ومخاوف الأمريكان المتدينين لحثهم على تقديم الدعم إلى إسرائيل. أبرز أساليب التلاعب هذه هي اللعب على وتر أن الله سيبارك أمريكا إذا دعمت دولة إسرائيل، وأن العواقب ستكون وخيمة على أمريكا إذا لم تقم بذلك. لنأخذ على سبيل المثال جول روزنبرغ، وهو كاتبٌ ومحلل سياسيّ مسيحي من أصول يهودية، ويُعتبر فكره ممثلاً لفكر المسيحية الصهيونية الذي أرغب أن أتحداه في هذا المقال. يقول روزنبرغ:
"إذا أدار الرئيس الأمريكي، أو الكونجرس، أو الشعب الأمريكي ظهرهم لإسرائيل والشعب اليهودي، سيكون الأمر أكثر من مجرّد سياسة سيئة أو خاطئة. بحسب النبوات الكتابية، ستشكل خطوات كهذه تهديداً وجوديّاً على مستقبل أمريكا".[2]

بعبارة أخرى، بحسب هذا الكاتب المسيحي، مستقبل أمريكا يتعلّق بدعمها لإسرائيل – وذلك بحسب الكتاب المقدس.[3] لا يُعتبر هذا رأياً متطرفاً اليوم، وهناك العديد من القادة واللاهوتيين الذين يروجون لهذا الفكر، وروزنبرغ مجرد مثال لهذا الفكر. يبيع جول روزنبرغ الملايين من الكتب، ويظهر بشكل مستمر على شاشات التلفاز في محطات رئيسية في أمريكا كمحلل سياسيّ!

ما هي هذه النبوات الكتابية بحسب روزنبرغ؟ يجيب روزنبرغ بنفس المقال ويعطي بضعة آيات تدعم – بحسب رأيه - موقفه هذا. لا مجال هنا للإجابة على كل هذه الآيات، وسأركز في المقابل على المرجع الأول الذي يعطيه، كونه يتكرر كثيراً على ألسنة وفي كتابات المسيحيين الصهاينة. الكلام هنا طبعاً عن تكوين 1:12-3. يقول روزنبرغ:
"في تكوين 1:12-3، يأخذ الرب الإله على نفسه عهداً بأنه سيبارك إسرائيل والشعب اليهودي، ويلعن من يلعنهم".[4]

لاحظوا معي هذا الموقف المضلل والذي يستغل الكتاب المقدس. أولاً، لا يقول الكتاب المقدس أن الله سيبارك إسرائيل، أو حتى اليهود، بل إبراهيم. لنقتبس الآية حرفياً:
وَقَالَ الرَّبُّ لأَبْرَامَ: «اذْهَبْ مِنْ أَرْضِكَ وَمِنْ عَشِيرَتِكَ وَمِنْ بَيْتِ أَبِيكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أُرِيكَ. فَأَجْعَلَكَ أُمَّةً عَظِيمَةً وَأُبَارِكَكَ وَأُعَظِّمَ اسْمَكَ، وَتَكُونَ بَرَكَةً. وَأُبَارِكُ مُبَارِكِيكَ، وَلاَعِنَكَ أَلْعَنُهُ. وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ»

الوعد بالبركة واللعنة في تكوين 1:12-3 هو عن إبراهيم وعن إبراهيم فقط! لكن بالنسبة للمسيحيين الصهاينة الأمر يتعلق بإسرائيل واليهود اليوم! فسّروا لي هذا من فضلكم! وحتى إذا قبلنا، على سبيل الفرض، أن هذه الآية تنطبق على نسل إبراهيم، يجب أن نسأل: من هو نسل إبراهيم بحسب الكتاب المقدس؟ لندع الكتاب المقدس يجيب:
وَأَمَّا الْمَوَاعِيدُ فَقِيلَتْ فِي إِبْرَاهِيمَ وَفِي نَسْلِهِ. لاَ يَقُولُ:«وَفِي الأَنْسَالِ» كَأَنَّهُ عَنْ كَثِيرِينَ، بَلْ كَأَنَّهُ عَنْ وَاحِدٍ: «وَفِي نَسْلِكَ» الَّذِي هُوَ الْمَسِيحُ.

فَإِنْ كُنْتُمْ لِلْمَسِيحِ، فَأَنْتُمْ إِذًا نَسْلُ إِبْرَاهِيمَ، وَحَسَبَ الْمَوْعِدِ وَرَثَةٌ. (غلاطية 16:3، 29)

نسل إبراهيم بحسب الكتاب المقدس هو يسوع المسيح أولاً وكلّ من يؤمن به ثانياً. طبعاً لا يوجد أي اعتبار لهذه الأمور في تفاسير المسيحية الصهيونية. هنا بيت القصيد: لقد استبدلت المسيحية الصهيونية المسيح بإسرائيل! فبحسب هذه التفسيرات، إسرائيل – وليس المسيح – هي نسل إبراهيم. إسرائيل – وليس المسيح – هي مركز النبوات. إسرائيل – وليس المسيح – هي حجر الزاوية.

كتبت هذه المقالة لا لأنني أرغب أن أهاجم شخص أو مؤسسة، بل لأتحدى فكر ولاهوت أؤمن أنه يشكل موقفاً مضراً للإيمان المسيحي ولوجودنا على هذه الأرض. كمسيحيين فلسطينيين وغير فلسطينيين، علينا أن نرفض بل ونقاوم هذا اللاهوت. كتبت هذا المقال من منطلق حبي للكنيسة في فلسطين، ومن إيماني الإنجيلي، ومن التزامي بشهادتنا المسيحية وتجسيد المسيح العادل الذي هو الحقّ والذي يحب الكل بدون تفرقة. نقول هنا مع وثيقة كايروس فلسطين – وقفة حق:
إنّ استخدام الكتاب المقدّس، لتبرير أو تأييد خيارات ومواقف سياسية فيها ظلم يفرضه إنسان على إنسان أو شعب على شعب آخر، يحوّل الدين إلى أيديولوجيّة بشريّة ويجرّد كلمة الله من قداستها وشموليّتها وحقيقتها .(كايروس فلسطين 2-4)

إنّنا نرى بعض اللاهوتيّين في الغرب يحاولون أن يُضفُوا على الظلم الذي لحق بنا شرعيّة لاهوتيّة وكتابيّة. فأصبحت المواعيد، بحسب تفسيراتهم، تهديدًا لكياننا، و"البشرى السارّة" في الإنجيل نفسه أصبحت لنا "نذيرَ موت". إنّنا ندعو هؤلاء اللاهوتيّين إلى تعميق الفكر في كلمة الله وإلى تصويب تفسيراتهم حتى يروا في كلمة الله مصدر حياة لكلّ الشعوب .(كايروس فلسطين 2-3-3)[5]




[1] بعض أجزاء هذا المقال هي من كتاب أقوم بكتابته عن لاهوت أرض الميعاد واللاهوت الفلسطيني.
[3]  يشرف روزنبرغ اليوم على مؤسسة مسيحية تعمل في الأراضي المقدسة تحت مسمى مؤسسة خيرية وتبشيرية. رغم أن معظم عمل هذه المؤسسة هو بين اليهود في الأراضي الإسرائيلية، إلا أنهم أيضاً يقومون ببعض الأعمال في الأراضي الفلسطينية، دون أن يبرزوا مواقفهم السياسية واللاهوتية. أنظر: https://www.joshuafund.com/

Comments